من حواديت الأطفال قبل النوم (الأسد فى الأسر)
كتبهاطارق الكركيت ، في 24 مارس 2010 الساعة: 03:41 ص
قبل أن تقرأ: من الصعوبة أن يكون الأقصى مهدد بالهدم ونفكر فى أى شىء إلا نصرته بما نستطيع, وهموم الأمة تشغل عقل وقلب كل من يحب هذا الوطن, لكن من منطلق الحديث الشريف: (روحوا عن القلوب ساعة بعد ساعة, فإن القلوب إذا كلّت عميت), فهذه دعوى للترويح عن القلب واستخلاص العبر.
لى ابن صغير - 5 سنوات - يدعى "زياد", كثير السهر ولا ينام مبكرا, حاولت فى إحدى الليالى - وأنا مرهق وأتمنى النوم - أن أشغله بشىء يجعل النوم يداعب عينيه الجميلتين, فقلت له: هيا بنا نستلقى على سريرك لأحكى لك حكاية ممتعة, ورغم رفضه فى البداية لذلك, لأنه يعلم أن مجرد الجلوس فى سريره معناه النوم, إلا أنه اقتنع.
وبدأت أسرد له قصة تدور أحداثها فى غابة للحيوانات, وكانت هذه الغابة جميلة المنظر, يسكنها الحيوانات فى نوع من الألفة غير المعتادة بين الحيوانات المختلفة, ولم يكن ينغص على جموع الحيوانات إلا الصيادون, الذين كانوا دائما بالقرب من الحيوانات ينصبون شباكهم عسى أن تظفر هذه الشباك بصيد من أى نوع.
وكان يحكم هذه الغابة بطبيعة الحال "الأسد" الذى كان يحتفظ مع معظم الحيوانات بعلاقات جيدة, ولم يكن يعتدى على أحد, بل كان يعطف على الجميع, غير أنه كان شديد القوة فى التعامل فيما يخص النظام داخل الغابة, ولم يكن هذا يروق لبعض الحيوانات التى كانت تسعى فى محاولات خبيثة وعلى فترات متباعدة أن تزحزح الأسد عن مكانته, التى أكتسبها من قوته العقلية التى حفظت الأمن لضعاف الحيوانات, ومن مقدرته على توفير الغذاء للجميع دون تفرقة.
لكن الدسائس من بعض الحيوانات كانت لا تنتهى, وخاصة من طرف بعض الحيوانات التى تم طردها من محيط الغابة لغابة أخرى, نظرا لضعف نفوسها, ومحاولتها التأثير على الهدوء الذى تتمتع به الغابة, لكن هذه الدسائس كانت لا تلقى بالا من الأسد, الذى ما كان ليهتم إلا بالعمل من أجل توفير الأمان والطعام لكل الحيوانات.
وذات يوم وبينما الأسد يتجول فى الغابة, إذا به يجد إحدى الفخاخ الذى وضعه صياد ماكر لاصطياد الحيوانات الضعيفة, فما كان منه إلا أن بدأ يقطع هذه الفخاخ بأنيابه حتى لا يقع بها أحد, لكن الصياد كان متربصا بهذه الفخاخ, وعلى الفور رمى شباكه على الأسد, الذى وقع أسيرا لدى الصياد.
وما إن بلغ الخبر باقى الحيوانات حتى ثاروا, وذهبوا إلى حيث مقر أسر الأسد, فى محاولة لفك أسره, ولكن محاولاتهم لم تفلح, فعادوا من حيث أتوا, وبدأوا يرتبون حياتهم بدون قائدهم, وبالفعل سارت الأمور بشكل طبيعى لفترة من الوقت, فمن ناحية الأسد لم يكن الصياد يريد بيعه أو وضعه فى حديقة الحيوان, بل كان يريد أن يظل الأسد هكذا فى أسره, ليكون عبرة لغيره, ومن الناحية الأخرى كانت "الحمامة" تذهب للأسد كل يوم لتأتى بأخباره لباقى الحيوانات, ولتدلهم على الأماكن التى يرشحها الأسد ليكون لهم فيها طعامهم, ولتنقل لهم ما يقوله الأسد حول سبل النجاة من الصياد, وكيفية الإعداد للقضاء عليه.
لكن هذا الوضع أثار كثيرا من الحيوانات ضعيفة النفوس, والتى كان الأسد قد طردها من الغابة من قبل, فأعدت العدة, وبخبث شديد اقنعوا "الفهد" بالدعوة إلى اجتماع للحيوانات تحت زعم مناقشة قلة الطعام فى الغابة وسبل مواجهة ذلك, وبالفعل تم لهم ما أرادوا, ودعا الفهد للاجتماع, وما إن بدأت الحيوانات الاجتماع حتى فوجئت بوجود الحيوانات التى كانت مطرودة من قبل حاضرة, ثم انبرى "الفهد" قائلا: لقد جمعتكم اليوم لأنى أرى ما لا ترون, لقد أأتمننى الأسد كما تعلمون على الغابة بعدما تم أسره, وكان يجعلنى عليكم رئيسا رغم كبر سنى وقلة حيلتى قبل أسره, وأنا من اليوم ملك الغابة, ومن ليس معى فهو ضدى, وأنا أريد ترتيب الغابة وفق إرادتى, ولقد اخترت لكم اليوم نظاما هو الأفضل, ولابد أن توافقونى عليه, وإلا فعقاب من يرفض أوامرى الطرد من الغابة, وأول هذه الأوامر هى البعد عن الأسد نهائيا ونسيان أمره, فهو من اليوم ليس ملك الغابة, وستذهب كل صلاحياته إلى الذئب والفيل والزرافة.
وقف الفيل فى مواجهة الفهد وقال له: ولكن هذا لم يكن اتفاقنا.. لقد حضرنا لبحث كيفية تدبير الطعام, فانبرى الذئب العائد من الطرد وقال للفيل: أصمت أيها البدين, أليس الفهد هو ملك الغابة الآن, وعلينا أن نطيعه جميعا.
الفيل: لكن الأسد هو ملك الغابة, ولن نتركه فى محنته وحده.
الذئب: ليذهب الأسد إلى الجحيم.
وهنا تدخلت الزرافة فى محاولة لفض هذا الاشتباك, لكنها لم تكد تتكلم, حتى وجدت هجوما من باقى الحيوانات العائدين من الطرد, والذين يضمرون الحقد للأسد:
الحمار الوحشى: ليس للأسد ولاية علينا, فهو فى الأسر, وكما طردنى من الغابة فأنا أرفض ولايته, فلم أكن أستحق الطرد, فماذا يعيبنى كى يطردنى, هل لأننى صاحبت الصياد يوما وأكلت من مأدبته استحق الطرد, ثم أن الطعام الذى أكلته كنت استحقه لأننى حملت له بعض متاعه, وخدمته فى الترويج للبضاعة التى يبيعها.
القرد: وما ذنبى أنا أيضا لكى يطردنى, أنا مجرد قرد أطيع أوامر من يلقى لى بالموز, وأقوم بدور البهلوان حتى يسعد لكى يزيد لى من الموز, ثم أننى لم أطيع حيوان غريب, إنه النمر الذى يرتبط بصلة نسب إلى الأسد.
النمر: ليس موضوعنا من يلقى لك بالموز, ولا قرابة النسب لى بالأسد, فهذا لا يشفع له عندى, أنا أريد الطعام وحسب, ولولا العهد الذى بينى وبين الفهد لطالبت بأن أكون ملك الغابة, فأنا أولى بها.
الجمل: توقف أيها النمر عن العبث, فمن يطالب بأن يحكم الغابة لابد أن يكون عطائه كبيرا, وهو ما ينطبق علىّ, فأنا من حمل على ظهره كثيرا من الحجارة التى بنت بيوت الغابة, وأولها بيتك الذى انتزعته الآن من الأسد, ولولا خلافى مع الأسد على حجم الطعام الذى كان يعطيه لى كل يوم لما تم طردى من الغابة.
فى هذه اللحظة توسط "الحصان" جموع الحيوانات, ثم نظر إلى الفهد وقال له: كيف تصمت على كل ما يدور فى هذه الجلسة؟ ألست كبيرنا الذى يرد غيبة الغائب؟ وأين كنت طوال الفترة الماضية؟ ألست شاهدا على كل ما حدث؟ ألم تكن موافقا على ما كان يجرى؟ إذن أنت شريك فى ما جرى, ولتتحمل النتائج إن كنت تملك الشجاعة.
فطأطأ الفهد رأسه خجلا ولم يجيب, فيما استمرت جموع الحيوانات العائدة من الطرد فى نهش عرض الأسد الأسير, ولم يكن يدافع عن الأسد إلا الفيل والزرافة, لكن كيف لاثنين أن يقفا فى وجه المجموع, فيما لزم الصمت "الحمل" الذى كان ينظر إلى كل ما يدور حوله وهو لا يكاد يصدق ما يحدث حوله, ويسأل نفسه: هل هذه هى نهاية الغابة الآمنة؟ أهكذا نسى كل هؤلاء أفضال الأسد عليهم, أليس الأسد هو من أوى الحمار الوحشى وقت أن نبذه الجميع, ووفر له الطعام, وقت أن كان عائدا لتوه من أسر أحد الصيادين؟ أليس الأسد هو من ساعد النمر فى الانخراط داخل الغابة بعد عودته من السيرك الذى كان يرقص به ويخدم الصيادين نظير طعامه؟ وغيرهم الكثير, لكن هذه هى الغابة, وهذه هى قوانينها, وتلك هى أخلاق الحيوانات التى لم تستطع مواجهة الأسد وقت أن كان حرا طليقا, ولا يجرؤون على الكلام إلا فى غيابه.
وفى نهاية الاجتماع خرج الجميع ما بين فرحان بانتصاره على الأسد الأسير, وما بين حزين على ما آلت إليه الأوضاع, وما بين مندهش لا يصدق ما يحدث, وتقدم "الحمل" إلى الفيل وقال له: لم يعد لى بهذه الغابة مكان, سأرحل إلى غابة أخرى لعلى أجد الأمان الذى افتقدته فى هذه الغابة, لكن ليعلم الجميع أن الأسد إذا كان اليوم أسير فهو غدا سيكون حرا طليقا, فكم من مرة تم أسره, وخرج بعدها, وساعتها سيكون لكل حدث حديث, وليعلم جميع من عاد من الطرد مقولة الإنسان الذى قال: لا تأسفن على غدر الزمان, لطالما رقصت على جثث الأسود كلابا, لا تحسبن برقصها تعلو على أسيادها, تبقى الأسود أسود والكلاب كلاب.
وما إن نطقت بيت الشعر هذا ونظرت إلى ولدى, إلا وجدته غارقا فى نوم عميق, ويبدو أن النوم غلبه قبل أن أكمل حكايتى.
ملحوظة:
كما يقول الراوى دائما فأنا أقول: أى تشابه بين هذه القصة وأى شخصيات فى الحياة فهو محض مصادفة, ولا يقصد بها الكاتب إلا التسلية, واستخلاص العبر.
5 التعليقات:
قصة رائعة
ويندوز سيستمز
بصراحه الاسد هو اللي غلطان
اياد المصري
تسلم الايادي قصه جميله
الحب
قصه قيمه تحمل معاني رائعه
العمل من بعد
إرسال تعليق